الاحتفالات التي شهدتها قرية بلعين امس، بمشاركة رسمية وشعبية ونشطاء سلام أجانب وبينهم اسرائيليون، ببدء سلطات الاحتلال الاسرائيلي تعديل مسار جدار الفصل العنصري مما يعيد للقرى وقريتين مجاورتين جزء من آلاف الدونمات التي ابتلعها الجدار، يعكس الانجاز الذي حققته المقاومة الشعبية السلمية للجدار وسط التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني والإدانة العالمية للاحتلال الاسرائيلي، كما تعكس هذه الاحتفالات تمسك المواطن الفلسطيني بأرضه واستعداده للدفاع عنها.
واذا كان رئيس الوزراء د. سلام فياض، الذي شارك في هذه الاحتفالات قد اكد امس، ازاء القوة الهائلة للمقاومة الشعبية السلمية تظهر مدى الافلاس الاخلاقي للاحتلال وعنفه "وان اسرائيل لم تعد قادرة على ان تدافع عن احتلالها الذي اصبح عبئا اخلاقيا عليها" امام العالم فان من الواضح ان اسرائيل ما كانت لتتراجع وتعدل مسار الجدار لولا هذه المقاومة الشعبية ولولا هذا التضامن الدولي والتأييد العالمي للشعب الفلسطيني ولولا ذلك التعارض الجوهري بين ما تمارسه اسرائيل وبين قرارات ومواثيق الشرعية الدولية.
ومن الناحية الاخرى فان هذا الاحتفال بهذا الانجاز الجزئي لا يمكن ان يغطي حقيقة ان الجدار حتى بمساره المعدل لا زال يبتلع مساحات شاسعة من اراضي بلعين وغيرها من البلدات والقرى الفلسطينية، وان اسرائيل لازالت تحتل الجزء الاكبر من اراضي الضفة الغربية وتتحكم في حركة التنقل داخلها كما تتحكم في حدودها البرية وتسيطر على اجوائها تماما كما هو الحال في قطاع غزة الذي تسيطر اسرائيل على اجوائه وبحره وحدوده البرية رغم انسحابها من داخله.
ولذلك نقول ان الطريق مازال شاقا وطويلا لانهاء احتلال كافة الاراضي الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني. ورغم ذلك فان هذا الانجاز يشكل مؤشرا واضحا على تراجع الاحتلال وعلى قوة وتأثير المقاومة الشعبية السلمية في مواجهة الاحتلال غير المشروع للاراضي الفلسطينية وفي اطار المسيرة التي بدأها شعبنا قبل عقود طويلة لانتزاع حريته واستقلاله.
امعان اسرائيلي في انتهاك القانون الدولي
مرة اخرى تثبت اسرائيل للعالم اجمع مدى استخفافها واستهتارها بالقوانين والمواثيق الدولية، خاصة تلك المتعلقة بالاراضي المحتلة ولكن هذه المرة فان هذا التأكيد جاء على لسان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو هو الذي اعلن بشكل تظاهري امام الكنيست اعتزامه تشديد ظروف اعتقال الاسرى الفلسطينيين، وهو الاعلان الذي ينطوي من جهة على تضليل واضح للرأي العام العالمي ومن جهة اخرى يشكل تطورا خطيرا.
فالأسرى الفلسطينيون ، كما يدرك نتانياهو وغيره من قادة اسرائيل عانوا ولازالوا يعانون من شروط اعتقال قاسية جدا ولم يتمتعوا يوما بالشروط الحياتية والمعاملة التي تقرها الاتفاقيات الدولية والعرف الدولي باعتبارهم اسرى حرب، خاصة اتفاقيات جنيف. وتؤكد تقارير المنظمات الحقوقية وبينها منظمات حقوقية اسرائيلية ودولية على الظروف غير الانسانية التي فرضتها اسرائيل على الاسرى الفلسطينيين منذ احتلال عام ١٩٦٧ وحتى اليوم.
كما يدرك نتانياهو ان هذه الظروف القاسية وغير الانسانية التي فرضتها اسرائيل ادت الى استشهاد عدد من الاسرى الفلسطينيين كما ادت الى اصابة الكثيرين منهم بامراض مزمنة عدا عن المعاناة الجسدية والنفسية للأسرى جراء هذه الشروط.
ولذلك فان حديث نتانياهو اليوم ينطوي على تضليل واضح لأن الأسرى لم يعيشوا يوما في فنادق خمس نجوم ولم يتلقوا الحد الادنى من المعاملة الانسانية التي يفرضها القانون الدولي.
وان ما يجب ان يقال ان نتانياهو باعلانه هذا انما يكشف حقيقة مواقف اسرائيل من القانون الدولي وانتهاكاتها الفظة لهذه القوانين وامعانها من هذه الانتهاكات. واذا كان نتانياهو يسعى لتحقيق هدف محدد من وراء هذا التهديد فالأجدر به ان يعمل على اطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين وان يحترم القانون الدولي، بل ان يعمل على انهاء الاحتلال غير المشروع للاراضي الفلسطينية وعندها لن يكون بحاجة الى سجون ومعتقلات وانتهاكات فظة للقانون الدولي.